فصل: ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثالث: هل يجوز الفرار عند الضرورة؟

يجوز الفرار عند الضرورة في غير الحالتين السابقتين التي أشارت إليهما الآية وذلك كأن يحيط العدو بالجيش أو يقطعوا على المجاهدين طريق المؤنة والغذاء فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كنا في غزاة فحاص الناس حيَصةً أي فروا أمام العدو قلنا كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فخرج فقال: من القوم؟ فقلنا: نحن الفرّارون. فقال: لا بل أنتم العكّارون فقبلنا يده. فقال: أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين» ثم قرأ {إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ}.
العكارون: أي الكرارون العطافون.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولًا- المؤمن يجاهد لإعلاء كلمة الله فعليه أن يتحمل الشدائد لأن العمر بيد الله.
ثانيًا- الفرار من الزحف كبيرة من الكبائر لأنه يعرض جيش المسلمين للتدهور والخطر.
ثالثًا- لا يجوز الفرار إلا في الحالات الضرورية.
رابعًا- النصر بيد الله، فعلى المؤمن أن يعتمد على الله مع الأخذ بالأسباب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ذَلِكُمْ}
يجوز فيه الرفعُ على الابتداء أي: ذلكم الأمر، والخبر محذوف قاله الحوفيُّ، والأحسنُ أن يقدَّر الخبر ذلكم البلاء حق وحتمٌ.
وقيل: هو خبر مبتدأ، أي: الأمر ذلكم، وهو تقدير سيبويه.
وقيل: محلُّه نصب بإضمار فعلٍ أي: فعل ذلكم، والإشارةُ بـ {ذَلِكُمْ} إلى القتل والرمي والإبلاء.
قوله: {وأنَّ اللَّه} يجوزُ أن يكون معطوفًا على: {ذَلِكُمْ} فيحكم على محلِّه بما يحكمُ على محلِّك {ذَلِكُمْ}، وأن يكون في حلِّ نصبٍ بفعل مقدَّر أي: واعلموا أنَّ الله، وقد تقدم ما في ذلك.
وقال الزمخشريُّ: إنَّه معطوف على: {وليُبْلي} والمعنى: أنَّ الغرضَ إبلاءُ المؤمنين، توهينُ كيد الكافرين.
وقرأ ابنُ عامر والكوفيون: {مُوهِن} بسكون الواوِ وتخفيف الهاءِ، من أوهَن كـ: أكْرَم، ونوَّن {موهن} غير حفص، وقرأ الباقون: {مُوهِّن} بفتح الواو، وتشديد الهاءِ، والتنوين، ف {كَيْد} منصوبٌ على المفعول به في قراءة غير حفص، ومخفوضٌ في قراءة حفص، وأصله النَّصْبُ وقراءة الكوفيين جاءت على الأكثرر؛ لأن ما عينه حرف حلقٍ غير الهمزة تعديته بالهمزة ولا يُعَدَّى بالتَّضعيف إلاَّ كلمٌ محفوظ نحو: وهَّنْتُه وضعَّفْتُه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}
موهن كدهم: بتقوية قلوب المؤمنين بنور اليقين، والثبات على انتظار الفضل من قِبَلِ الله، وموهن كيدهم: بأن يأخذَ الكافرين من حيث لا يشعرون، ويظفر جندُ المسلمين عليهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (19):

قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تضمن ذلك إيقاع الإهانة بالكفار بهذه الوقعة، والوعد بإلزامهم الإهانة فيما يأتي، كان ذلك مفصلًا للالتفات إلى تهديدهم في قالب استجلائهم والاستهزاء بهم وتفخيم أمر المؤمنين فقال: {إن تستفتحوا} أي تسألوا الفتح أيها الكفار بعد هذا اليوم كما استفتحتم في هذه الوقعة عند أخذكم أستار الكعبة وقت خروجكم بقولكم: اللهم انصر أهدى الحزبين، وأكرم الجندين، وأعلى الفئتين، وأفضل الدينين، ووقت ترائي الجمعين؛ بقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعلم فأحنه الغداة؛ أتاكم الفتح كما أتاكم في هذا اليوم {فقد جاءكم} أي في هذا اليوم بنصر المؤمنين {الفتح} أي الذي استفتحتم له لأنهم أهدى الفئتين وأكرم الطائفتين {وإن تنتهوا} أي بعد هذا عن مثل هذه الأقوال والأفعال المتضمنه للشك أو العناد {فهو خير لكم} وقد رأيتم دلائل ذلك {وإن تعودوا} أي إلى المغالبة لأنكم لم تنتهوا {نعد} أي إلى خذلانكم {ولن تغني عنكم} أي أبدًا {فئتكم} أي جماعتكم التي ترجعون إليها للاعتزاز بها {شيئًا} أي من الإغناء {ولو كثرت} لأن الله على الكافرين {وأنَّ الله} أي الملك الأعظم {مع المؤمنين} أي الراسخين في الإيمان، ولعله عبر المستقبل في الشرط والماضي في الجزاء إشارة إلى أنكم استفتحتم في بدر وجاءكم من الفتح ما رأيتم، فإن كان أعجبكم فألزموه في المستقبل، فإني لا أجيئكم أبدًا ما دمتم على حالكم إلا بما جئتكم به يومئذ، والفتح يحتمل أن يكون بمعنى النصر فيكون تهكمًا بهم، وأن يكون بمعنى القضاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح}
فيه قولان:
القول الأول: وهو قول الحسن ومجاهد والسدي أنه خطاب للكفار، روي أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر، وروي أنه قال: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأفجر، فأهلكه الغداة، وقال السدي: إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: إن تستفتحوا أي تستنصروا لأهدى الفئتين وأكرم الحزبين، فقد جاءكم النصر.
وقال آخرون: أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
والقول الثاني: أنه خطاب للمؤمنين، روي أنه عليه السلام لما رأى المشركين وكثرة عددهم استغاث بالله، وكذلك الصحابة وطلب ما وعده الله به من إحدى الطائفتين وتضرع إلى الله فقال: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} والمراد أنه طلب النصرة التي تقدم بها الوعد، فقد جاءكم الفتح، أي حصل ما وعدتم به فاشكروا الله والزموا طاعته.
قال القاضي: وهذا القول أولى لأن قوله: {فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} لا يليق إلا بالمؤمنين، أما لو حملنا الفتح على البيات والحكم والقضاء، لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله: {وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فتفسير هذه الآية، يتفرع على ما ذكرنا من أن قوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} خطاب للكفار أو للمؤمنين.
فإن قلنا: إن ذلك خطاب للكفار، كان تأويل هذه الآية إن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذيبه فهو خير لكم، أما في الدين فبالخلاص من العقاب والفوز بالثواب.
وأما في الدنيا فبالخلاص من القتل والأسر والنهب.
ثم قال: {وَإِن تَعُودُواْ} أي إلى القتال {نَعُدُّ} أي نسلطهم عليكم، فقد شاهدتم ذلك يوم بدر وعرفتم تأثير نصرة الله للمؤمنين عليكم {وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ} أي كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر.
وأما إن قلنا إن ذلك خطاب للمؤمنين كان تأويل هذه الآية وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وتنتهوا عن طلب الفداء على الأسرى فقد كان وقع منهم نزاع يوم بدر في هذه الآشياء حتى عاتبهم الله بقوله: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} [الأنفال: 68] فقال تعالى: {إِن تَنتَهُواْ} عن مثله {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ} إلى تلك المنازعات {نَعُدُّ} إلى ترك نصرتكم لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة وترك المخالفة، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة، فإن الله لا يكون إلا مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب.
واعلم أن أكثر المفسرين حملوا قوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ} على أنه خطاب للكفار، واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ} فظنوا أن ذلك لا يليق إلا بالقتال، وقد بينا أن ذلك يحتمل الحمل على ما ذكرناه من أحوال المؤمنين، فسقط هذا الترجيح.
وأما قوله: {وَأَنَّ الله مَعَ} فقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم {الارض وَأَنَّ الله} بفتح الألف في أن والباقون بكسرها.
أما الفتح فقيل: على تقدير، ولأن الله مع المؤمنين، وقيل هو معطوف على قوله: {إِنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين} وأما الكسر فعلى الابتداء. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح}
يقول إن تستنصروا فقد نصركم الله حين قلتم؛ وذلك أن أبا جهل بن هشام قال: اللهم انصر أحب الدينين وأحب الجندين وأحب الفئتين إليك، فاستجيب دعاؤه على نفسه وعلى أصحابه.
ثم قال: {وَإِن تَنتَهُواْ} عن قتاله، {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من قتاله؛ ويقال: إن أهل مكة حين أرادوا الخروج إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم أي الفئتين أحب إليك فانصرهم.
فنزل: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح وَإِن تَنتَهُواْ} عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم وعن الكفر {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الإقامة عليه، {وَإِن تَعُودُواْ} لقتال محمد صلى الله عليه وسلم، {نَعُدُّ} على القتل والأسر والهزيمة.
{وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِتْنَتَكُمْ}، يعني جماعتكم {شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ} في العدد.
{وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين}، يعني معين لهم وناصرهم.
قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين: {وَأَنَّ الله} بالنصب، والباقون بالكسر {وَأَنَّ الله} على معنى الاستئناف ويشهد لها قراء عبد الله بن مسعود والله مع المؤمنين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح}
وذلك أنّ أبا جهل قال يوم بدر: اللّهمّ أينا كان أفجر وأقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فانصرنا عليه، فاستجاب الله دعاءه وجاء بالفتح وضربه ابنا عفراء: عوف ومسعود، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود.
وقال السدي والكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكّة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللّهمّ انصرنا على الحزبين وأهدى القبتين وأكرم الجندين وأفضل الدينين فأنزل الله هذه الآية. وقال عكرمة: قال المشركون اللّهمّ لا نعرف ما جاء به محمد فأفتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح} أي أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
وقال أُبي بن كعب وعطاء الخراساني: هذا خطاب أصحاب رسول الله قال الله للمسلمين: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح} أي تستنصروا الله وتسألوه الفتح فقد جاءكم الفتح أي بالنصرة.
وقال حبّاب بن الارت: شكونا إلى رسول الله عليه السلام فقلنا: لا تستنصر لنا، فاحمر وجهه وقال: «كان الرجل قبلكم يؤخذ ويحفر له في الأرض، ثمّ يجاء بالمنشار فيقطع بنصفين ما يصرفه عن دينه شيء، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه عن دينه، ولُيتِمنَّ الله هذا الأمر حتّى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ولا يخشى إلاّ الله عزّ وجلّ والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون».
ثمّ قال للكفّار {وَإِن تَنتَهُواْ} عن الكفر بالله وقتال نبيّه صلى الله عليه وسلم {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ} لقتاله وحربه {نَعُدْ} بمثل الواقعة التي أوقعت لكم يوم بدر.
وقيل: وإن تعودوا إلى هذا القول وقتال محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين} قرأ أهل المدينة والشام: {وَأَنَّ الله} بفتح الألف، والمعنى: ولأن الله، وقيل: هو عطف على قوله: {وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين}.
وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف، واختلفوا فيه وقراءة أبي حاتم (لأن) في قراءة عبد الله: والله مع المؤمنين. اهـ.